مراكش/7 أبريل 2024 شهد مسجد الكتبية مساء السبت، وعلى غرار مختلف المساجد التي تفوح بعبق التاريخ عبر ربوع المملكة، إقبالا كبيرا للمصلين الذين حجوا لإحياء ليلة القدر المباركة في أجواء روحانية مفعمة بالخشوع والسكينة ممزوجة بأصالة وعراقة هذا الصرح الديني.
وتوافد الآلاف من المصلين من مختلف الأعمار، شيبا وشبابا ونساء وأطفالا، ومن أحياء متعددة بالمدينة الحمراء، على هذه المعلمة الدينية الضاربة جذورها في أعماق التاريخ، والتي أعادت فتح أبوابها في وجه المصلين بعد الانتهاء من أشغال الإصلاح والترميم التي خضعت لها على إثر زلزال 8 شتنبر الماضي، لإحياء هذه الليلة العظيمة في جو تعبدي روحاني ملؤه التبتل إلى الله تعالى، لاغتنام فضائل هذا الشهر الفضيل، وتطهير النفس والارتقاء بها إلى مدارج الطهر والنقاء.
وتعتاد نسبة كبيرة من المراكشيين على إحياء هذه الليلة المباركة داخل هذا الصرح الديني والثقافي والمعماري الشامخ لما له من مكانة خاصة في قلوبهم، أملا في التعرض للنفحات الربانية التي تميز هذه الليلة التي أ نزل فيها القرآن، عن سائر ليالي الشهر الفضيل.
ويحرص غالبية المصلين متأبطين سجاداتهم، على التوجه صوب هذه المعلمة الدينية العريقة المجاورة لساحة جامع الفنا التاريخية والتي يزداد حبهم لها خلال شهر الصيام لأداء صلاة التراويح، قبيل آذان صلاة العشاء، بل أكثر من ذلك هناك من يفضل تناول وجبة الإفطار داخل المسجد ليضمن مكانه في الصفوف الأمامية، وذلك للتعرض لنفحات ربانية في جو تعبدي تعمه السكينة والطمأنينة ومفعم بالتقوى والإيمان.
ويغص المسجد بجموع المصلين لتمتد صفوفهم إلى الفضاءات والساحات المجاورة لهذه المعلمة الدينية الحضارية، بعدما تم تنظيفها وتجهيزها بمبكرات الصوت وتأثيثها بالأفرشة والإنارة الخارجية ووضع حواجز حديدية لتيسير حركة السير والجولان حول المسجد، إلى جانب وحدة طبية وسيارة إسعاف من أجل التدخل في حال حدوث أي طارئ وذلك حرصا على راحة وطمأنينة المصلين.
ويستوقف المشهد المهيب لجموع المصلين، وهم متراصون كالبنيان المرصوص، مستسلمون بين يدي الله عز وجل، منغمسون في تذوق حلاوة الآيات القرآنية وتدبر معانيها خلف إمام حافظ ومتقن وذي صوت شجي، المارين في الشارع المقابل من السياح الأجانب أثناء توجههم إلى ساحة جامع الفنا ليعيشوا بدورهم هذه الأجواء الروحانية التي تشهدها هذه المنارة الدينية التي تحمل قيم وتعاليم الإسلام دين الوسطية والاعتدال، والمبنية على العقيدة الأشعرية والمذهب المالكي.
وشيد المسجد الذي يبلغ ارتفاع صومعته 77 مترا، في عهد الموحدين في 1120، قبل أن يتم تغييره بشكل كبير عام 1162 تحت حكم الخليفة الموحدي أبو يوسف يعقوب المنصور.
وبمساحة إجمالية تصل إلى 5300 متر مربع، تم ترميم المبنى الأصلي في عام 1990 من قبل وزارة الثقافة.
وعلاوة على مكانتها الدينية والثقافية، تشكل هذه الجوهرة المعمارية المحاذية لجامع الفنا، وجهة سياحية متميزة ورمزا لغنى تاريخ المغرب بشكل عام ومراكش بشكل خاص